(رائعة الدهر)
سلا القلب عن غيد صفت وحسان = وأهمل ذكر المنحنى وعمان
وما عاد يلهيني الصبا بأريجه = ولو فاح بالريحان والنفلان
وخط برأسي الشيب لوحة عاشقٍ = يقول: احذروني أيها الثقلان
وكنا نرى أن الزمان مساعد= وأن المنى والسعد مؤتلفان
إلى أن كبرنا واستفدنا تجارباً= أحالت ظنون الغيب رأي عيان
شربنا ليالي الصفو في كأس غفلةٍ= وناهزت بعد الأربعين ثماني
فمرت كأحلام الربيع سريعة= فأيامها في ناظري ثواني
فلو أنني أرمي بقوس دفعتها= بقوة بأس واحتدام جنان
ولكن قوس العمر ينفذ أسهما= وما للفتى في ردهن يدان
وفي أربعين العمر وعظ وعبرة= ويكفيك علماً شاهد الرجفان
ومن كملت فيه النهى لا يسره = نعيم ولا يرتاع للحدثان
فلا تسمِّعني وعظ قس ولا تسق = عليّ مقامات الفتى الهمداني
فعندي من الأيام أبلغ عبرة = على منبر تلقى بكل لسان
ولما اتخذت العلم خدناً وصاحباً = تركت الهوى والمال ينتحبان
جعلت القوافي الصافنات مراكبي = كأن الضحى والليل قد حسداني
يقولون لي فيك اندفاع وحدّه = فقلت: جمال البرق في اللمعان
ولو كنت في دهر سوى ذا رأيتني = على غارب الجوزاء خط مكاني
أتيت بعصر غير عصري وإنني = غريب فعصري مفلس وزماني
ولي همة لو أن للدهر بعضها = لأمست له الأفلاك في خفقان
وما كنت ممن يسلب اللهو قلبه= وكيف وفي الأعماق سبع مثاني
وفي خلدي ذكر حكيم مرتل = معاذ إلهي ليس فيه أماني
ولي خاطر كالسيل تدنو زحوفه = وجودة ذهن فاض كالزبدان
ولا عيب لي إلا طموح مزلزل = يظل فؤادي منه في غليان
وأرسلت للأيام (لا تحزن) الذي = به من بنات الفكر كلُّ حسان
فسار مسير الشمس شرقاً ومغرباً= وصار حديث القوم كل زمان
ودبجت للفصحى مقامات شاعر= كلوحة فنان ونثر جمان
وتسعون تصنيفاً تكامل حسنها = نجوم سماء أو عقود غواني
وألفت تفسيراً عظيماً ميسراً= له روح تحقيق ووجه بيان
ولا فضل لي فيها فلله وحده= ثنائي على ما خصني وحباني
وجدي أويس الازد أفضل تابع = على صدق قولي يشهد القمران
فلا تحسب الأنساب تنجيك من لظى= ولو كنت من قيس وعبد مدان
أبو لهبٍ في النار وهو ابن هاشم = وسلمان في الفردوس من خرسان
فلا تلهك الدنيا بلهو فإنه= يعاق مسير الشمس بالدبران
فقد هد قدماً عرش بلقيس هدهد = وخرب فأرٌ ما بنى اليمنان
شعر:الشيخ الدكتور عائض القرني
$الشيخ$